فصل: من فوائد الخازن في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقد وقع في أول هذه الآى ذكر عيسى عليه السلام والتقفية من بعده بالرسل وفى آيات المائدة قوله تعالى: {وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم} والضمير في {آثارهم} لمن تقدم في قوله تعالى: {يحكم بها النبيون الذين أسلموا} فورد مفصلا في آى البقرة ما ورد مجملا في المائدة وختمت آيات البقرة بقوله تعالى: {وما يكفر بها إلا الفاسقون} وآيات المائدة بقوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} فإلى مجموع ما في آيات البقرة أشارت آية المائدة وختمت هذه من وصفهم بالفسق بما ختمت تلك وحصل من وصفهم به أنه أعظم من وصفهم بالكفر والظلم لأنه كفر جامع لكل شنيع من مرتكباتهم ولذلك اختير التعبير به عن مرتكب إبليس في إبايته عن السجود واستكباره فقيل: {إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه} فلم تقع هنا عبارة بكفره ولا ظلمه لأن الفسق بما يعتضد به من القرائن أعظم من الكفر والظلم، وقد حصل الجواب عما فرض السؤال عنه من تقدم وزاد إلى ذلك بيان الترقى المطرد وهو السؤال الأول وأما التفصيل فخطأ بين فأقول وأسأل الله توفيقه إن المفسرين قد أجمعوا على أن الوعد في هذه الآى يتناول يهود وقد ثبت في الصحيح إنكارهم الرجم مع ثبوته في التوراة وفعلهم فيما نعى الله تعالى عليهم من مخالفة ما عهد إليهم فيه ونص في كتابهم حسب ما أشار إليه قوله تعالى: {وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم} إلى قوله: {أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض} إلى ما بعده وهذا كله من حكمهم بغير ما أنزل الله فهم الكافرون والظالمون والفاسقون ففيهم وبسبب مرتكبهم نزلت آيات المائدة ثم تقول مع ذلك أن الحكم إذا نزل بسبب خاص يمنع ذلك من دعوى العموم المنزل وهذا باتفاق من حذاق الأصوليين وقد رددوا التمثيل بشاة ميمونة وهذا مع عدم الفرائن.
أما فيما نحن بسبيله في آيات المائدة فقد عضد العموم في ذلك وغيرها موضع من الكتاب والسنة فنقول بناء على ذكرنا أن هذه الآية وان نزلت بسبب جعل اليهود ومرتكبهم في الرجم وغيره فإن ذلك عام في كل من حكم بغير ما أنزل إليه، ما لم يفعل ذلك جاهلا غير متعمد للمعصية أو عاصيا متعمدا مع صحة اعتقاده وسلامة إقراره بلسانه، فقد حصت الشريعة هذين.
وقد تعلقت الخوارج بعموم هذه الآى وأشباهها في تكفيرهم مرتكب الكبيرة وليس شيء من ذلك نصا في مطلوبهم وهو محجوبون بغيرها وإذا كانت هذه الآى على عمومها فيمن بينا، فمن في المواضع الثلاثة شرطية وهى من المتفق عليه في ألفاظ العموم عند أربابه وهم الجمهور وأما القول بتفصيل حكم {من} في هذه الآى وانها من اجتماع المذكورين في الآيات فيما تقدم من حكمهم بغير ما أنزل الله ووحدة السبب في نزول الآيات فلا يصح بوجه فقصر السؤال على فصل ما بين الكفر والظلم دون الفسق كما ذكرنا عمن تعرض لهذه الآية من الجلة وجعله الآيتين الأوليين مما ورد فيه الانتقال من الأثقل إلى الأخف غير صواب والله أعلم.
واطراد ما تقدم من الترقى والانتقال في الوعد والوعيد وتحكيم ما تقرر من ذلك هو الحق الذي لا ينبغى أن يعدل عنه ثم أقول وأسأل الله التوفيق إن هذه الآى جارية على المطرد في الوعد والوعيد والانتقال في الوصف بالكفر والظلم والفسق من أخف إلى أثقل جار على ما قد تبين بحول الله إنما يدخل الغلط من أخذ هذه الصفات مجردة عن القرائن وما يثمره الاشتراك فالكفر إذا ورد مجردا عن القرائن إنما يقع على الكفر في الدين ثم إنه قد يقع على كفر النعمة ويفتقر إلى قرينة ومنه: {وفعل فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين}.
وأما الظلم فلفظ مشترك فإذا ورد مجردا عن القرائن لم نصا في شيء من مواقعه، وإنما يتخلص بالقرائن، قال تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم} وقال تعالى مخبرا عن نبيه يونس عليه السلام: {سبحانك إنى كنت من الظالمين} ومعاذ الله من الكبيرة فكيف بالشرك الذي لا فلاح معه ولم يخالف أحد من أهل السنة ممن يعتمد نظره انهم معصومون من الكفر قبل الوحى وبعده وجمهورهم متفقون انهم معصومون من الكبائر، وجلة أهل السنة على عصمتهم مما فيه دناءة من الصغائر وبعضهم في طائفة كبيرة من سيئة المتصوفه يقولون بعصمتهم من الصغائر على الإطلاق وكل هذه الضروب يصح وقوع اسم الظلم عليه وقوله تعالى: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة} أوضح شهادة على ذلك.
أما الكفر فلا تنتشر مواقعه وكأم دلالته على كفر النعمة من قبيل ما يدل بتشكيك كدلالة موجود على العرض وأما الظلم فعلى ما تقدم فإذا اقترن بالظلم الكفر كان أعظم من الكفر.
قال المفسرون في قوله تعالى: {وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون} إنهم المتوغلون في الظلم المكابرون فهذا كفر وزيادة وقد تقدم تسمية الشرك ظلما وأما الفسق فلم يرد في القرآن واقعا على صغيرة وقد يقع على الكبيرة حيث يقصد تعظيمها كقوله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} الآيى وقد ختمت بوصفهم بالفسق ولا أذكر غيرها وقد عد عليه السلام هذه في السبع الموبقات وإنما يقع في الأكثر على الكفر كقوله تعالى: {أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا} لأن المراد هنا الطرفان كقوله تعالى: {فمنكم كافر ومنكم مؤمن} وأكثر وقوعه في القرآن إنما هو في وصف يهود والمنافقين كقوله تعالى: {ولقد أنزلنا إليك آيات بينات وما يكفر بها إلا الفاسقون}، نزلت في ابن صوريا لعنه الله، وكقوله تعالى: {منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون}، وكقوله تعالى: {فلا تأس على القوم الفاسقين}، وكقوله تعالى: {ولكن كثيرا منهم فاسقون} في بضع وعشرين آية.
وورد الوصف بالفسق في قوم لوط عليه السلام كقوله تعالى: {إنهم كانوا قوما فاسقين} وكقوله تعالى: {إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون}، وقد وردت فيمن ختم عليهم بالكفر قال تعالى: {كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا إنهم لا يؤمنون}، وقد تقدم وصف إبليس بالفسق فهذا الوصف لا يقع في كتاب الله الا على ذوى التمرد من الكفرة وأكثر ذلك من يهود والمنافقين، ولم يجر الوصف بالظلم في كتاب الله مجرى الفسق في ما ذكرنا وقلما يوصف يهود والمنافقون وان كانوا ظالمين لأنفسهم الا بالفسق.
فالظلم والفسق وان وقعا على المتوغلين في الكفر حين ذكرنا وبالقرائن فالفسق أشد وأعظم ولا يوصف به من الكفرة في كتاب الله الا شرهم.
لما بلغ قوم نوح عليه السلام في إصرارهم على الكفر وتماديهم عليه إلى قطع رجائه عليه السلام منهم حتى قال: {ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا} قال تعالى فيهم: {إنهم كانوا قوما فاسقين} ولما ارتكب قوم لوط عليه السلام من فحش المرتكب بما لم يسبقوا إليه وسموا بالفسق ولما بلغ يهود والمنافقين ما أعلم به القرآن من حالهم واستحقوا اللعنة والغضب تكرر وصفهم بالفسق فقد وضح أبين الوضوح ان الظلم بالقرائن حسبما تقدم أشنع من الكفر مجردا وان الفسق أشد زأعظم إذا شهدت له القرائن فحصل بالانتقال في آى المائدة من أخف إلى أثقل على المطرد في آى الوعيد وفى المقابل من الترقى في آى الوعد وان عكس الوارد على ما وضح لا يناسب والله أعلم. اهـ.

.من فوائد الخازن في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله عز وجل: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور} سبب نزول هذه الآية استفتاء اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر الزانيين وقد سبق بيانه والهدى هو البيان لأن التوراة مبينة صحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ومبينة ما تحاكموا فيه والنور هو الكاشف للشبهات الموضح للمشكلات والتوراة كذلك.
وقيل: الفرق بين الهدى والنور أن الهدى محمول على بيان الأحكام والشرائع والنور محمول على بيان أحكام التوحيد والنبوات والمعاد {يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا} أراد بالنبيين الذين بعثوا بعد موسى عليه السلام وذلك أن الله بعث في بني إسرائيل ألوفًا من الأنبياء وليس معهم كتاب إنما بعثوا بإقامة التوراة وأحكامها ومعنى أسلموا: أي انقادوا لأمر الله تعالى والعمل بكتابه وهذا على سبيل المدح لهم وفيه تعريض باليهود لأنهم بعدوا عن الإسلام الذي هو دين الأنبياء عليهم السلام وقال الحسن والزهري وعكرمة وقتادة والسدي: يحتمل أن يكون المراد بالنبيين الذين أسلموا هو محمد صلى الله عليه وسلم وإنما ذكره بلفظ الجمع تعظيمًا وتشريفًا له صلى الله عليه وسلم حكم على اليهود بالرجم وكان هذا الحكم في التوراة.
قال ابن الأنباري هذا رد على اليهود والنصارى لأن الأنبياء عليهم السلام ما كانوا موصوفين باليهودية والنصرانية بل كانوا مسلمين لله تعالى منقادين لأمره ونهيه.
للذين هادوا يعني لليهود يعني يحكم بالتوراة لهم وفيما بينهم ويحملهم على أحكامها كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حملهم على حكم الرجم كما هو في التوراة ولم يوافقهم على ما أرادوه من الجلد وقال الزجاج وجائز أن يكون المعنى على التقديم والتأخير على معنى: إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور للذين هادوا يحكم بها النبيون الذين أسلموا {والربانيون والأحبار} أما الربانيون فتقدم تفسيره في سورة آل عمران وأما الأحبار فقال ابن عباس: هم الفقهاء.
وقيل: هم العلماء الأحبار واحده حبر بفتح الحاء وكسرها لغتان.
وقال الفراء: إنما هو حبر بكسر الحاء وإنما سمي به لمكان الحبر الذي يكتب به وذلك لأنه صاحب كتاب.
وقال أبو عبيد: إنما هو حَبر بفتح الحاء والحبر العالم لما يبقى من أثر علومه في قلوب الناس وأفعاله الحسنة التي يقتدى بها وجمعه أحبار ومنه كعب الأحبار.
وقيل: الحبر الأثر المستحسن ومنه الحديث: يخرج من النار رجل قد ذهب حبره وسبره أي جماله وبهاؤه.
وإنما سمي العالم حبرًا لما عليه من أثر جمال العلم وهل فرق بين الربانيين والأحبار أم لا؟ فيه خلاف، فقيل: لا فرق.
والربانيون، والأحبار بمعنى واحد وهم: العلماء والفقهاء.
وقيل: الربانيون أعلى درجة من الأحبار لأن الله تعالى قدمهم في الذكر على الأحبار.
وقيل: الربانيون هم الولاة.
والحكام والأحبار هم العلماء: وقيل: الربانيون علماء النصارى، والأحبار: علماء اليهود.
ومعنى الآية: يحكم بأحكام التوراة النبيون وكذلك يحكم بها الربانيون والأحبار.
وقوله تعالى: {بما استحفظوا من كتاب الله} يعني بما استودعوا من كتاب الله.
وقيل: هو أن يحفظوا كتاب الله فلا ينسوه وقيل هو أن يحفظوه فلا يضيعوا أحكامه وشرائعه.
وقد أخذ الله على العلماء حفظ كتابه من هذين الوجهين معًا وذلك بأن يحفظوا كتاب الله في صدورهم ويدرسونه بألسنتهم لئلا يسنوه وأن لا يضيعوا أحكامه ولا يهملوا شرائعه فإذا فعلوا كانوا قائمين بحفظه {وكانوا عليه شهداء} يعني: أن هؤلاء النبيين والربانيين والأحبار كانوا شهداء على كتاب الله ويعلمون أنه حق وصدق وأنه من عند الله: {فلا تخشوا الناس واخشون} هذا خطاب لحكام اليهود الذين كانوا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني لا تخافوا أحدًا من الناس في إظهار صفة محمد صلى الله عليه وسلم والعمل بالرجم واخشون يعني في كتمان ذلك {ولا تشتروا بآياتى ثمنًا قليلًا} يعني ولا تستبدلوا بآيات الله وأحكامه ثمنًا قليلًا يعني الرشوة في الأحكام والجاه عند الناس ورضاهم والمعنى كما نهيتكم عن تغير الأحكام لأجل خوف الناس كذلك أنهاكم عن التغيير والتبديل لأجل الطمع في المال والجاه وأخذ الرشوة فإن كل متاع الدنيا قليل {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} بمعنى: أن اليهود لما أنكروا حكم الله تعالى المنصوص عليه في التوراة وقالوا إنه غير واجب عليهم، فهم كافرون على الإطلاق بموسى والتوراة وبمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن واختلف العلماء فيمن نزلت هذه الآيات الثلاث وهي قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} فقال جماعة من المفسرين: الآيات الثلاث نزلت في الكفار ومن غير حكم الله من اليهود، لأن المسلم وإن ارتكب كبيرة، لا يقال إنه كافر وهذا قول ابن عباس وقتادة والضحاك.
ويدل على صحة هذا القول ما روي عن البراء بن عازب قال أنزل الله تبارك وتعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} في الكفار لكها أخرجه مسلم وعن ابن عباس قال: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} إلى قوله هم الفاسقون هذه الآيات الثلاث في اليهود خاصة قريظة والنضير أخرجه أبو داود.
وقال مجاهد: في هذه الآيات الثلاث من ترك الحكم بما أنزل الله ردًا لكتاب الله فهو كافر ظالم فاسق.
وقال عكرمة ومن لم يحكم بما أنزل الله جاحدًا به فقد كفر ومن أقر به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق وهذا قول ابن عباس أيضًا واختار الزجاج لأنه قال: من زعم أنّ حكمًا من أحكام الله تعالى التي أتانا بها الأنبياء باطل فهو كافر.
وقال طاوس: قلت لابن عباس أكافر من لم يحكم بما أنزل الله؟ فقال: به كفر وليس بكفر ينقل عن الملة كمن كفر بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر ونحو هذا روي عن عطاء.
وقال: هو كفر دون الكفر.
وقال ابن مسعود والحسن والنخعي: هذه الآيات الثلاث عامة في اليهود وفي هذه الأمة فكل من ارتشى وبدل الحكم فحكم بغير حكم الله فقد كفر وظلم وفسق وإليه ذهب السدي لأنه ظاهر الخطاب.
وقيل: هذا فيمن علم نص حكم الله ثم رده عيانًا عمدًا وحكم بغيره وأما من خفي عليه النص أو أخطأ في التأويل فلا يدخل في هذا الوعيد والله أعلم بمراده. اهـ.